وسط قلق حقوقي.. البرلمان العراقي يقر تعديلات تسمح بزواج القاصرين
وسط قلق حقوقي.. البرلمان العراقي يقر تعديلات تسمح بزواج القاصرين
أقرّ البرلمان العراقي مؤخرا تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، تضمنت اعتماد "الأحكام الفقهية الجعفرية"، وهو ما أثار موجة واسعة من الجدل والغضب الشعبي والحقوقي، خصوصاً فيما يتعلق بمواد الزواج.
وسمح القانون الجديد رسمياً بزواج من هم دون 18 عاماً، كما حرم المرأة من حقها السابق في اشتراط عدم زواج زوجها من امرأة أخرى ضمن عقد الزواج، وهو ما اعتبره ناشطون خطوة إلى الوراء في مسار حقوق المرأة بالعراق، بحسب ما ذكرت وكالة “JINHA”، اليوم الخميس.
وأوضحت مصادر قانونية أن القانون الجديد يتناقض مع ما هو معمول به في إقليم كردستان العراق، حيث يمنع القانون المحلي زواج من هم دون 18 عاماً إلا في حال وجود ولي أمر وموافقة المحكمة، ما يفتح الباب عملياً أمام تزويج القاصرات بغطاء قانوني.
ورغم أن هذه الاستثناءات قُدمت على أنها "مقيدة بشروط"، فإن الناشطين يرون فيها تشريعاً رسمياً لزواج الأطفال.
رأي حقوقي محذّر
أكدت المحامية آشتي عبد الله، أن القانون الحالي فتح المجال لتزويج القاصرات تحت مسميات "النضج الكامل" أو بموافقة الولي، وهو ما يعادل قانونياً معاملة الفتاة القاصر كالبالغة.
وأوضحت آشتي عبد الله أن هذا النوع من الزيجات غالباً ما ينتهي بالمشكلات والانفصال، لأنه لا يراعي النضج النفسي والاجتماعي للفتيات، ويجعل من الطفلة "امرأة مسؤولة" قبل أوانها.
ولفتت إلى أن الأعراف والتقاليد تلعب دوراً رئيسياً في استمرار زواج القاصرات، حيث يُنظر إلى الفتاة التي تبلغ 18 عاماً ولم تتزوج باعتبارها "متأخرة".
وأضافت أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي زاد من خطورة الظاهرة، إذ باتت الفتيات يتعرضن لرسائل سطحية عن "الحب والزواج المبكر"، ما يدفعهن إلى قرارات متسرعة دون إدراك لتبعاتها.
أوضاع اجتماعية هشّة
أوضحت آشتي عبد الله أن زواج القاصرات ينتشر أكثر في الأسر المفككة، حيث تبحث الفتاة عن الاستقرار خارج بيت العائلة، وغالباً ما يتم تزويجها بسرعة ودون دراسة كافية.
وأشارت إلى أن الأزمة الاقتصادية والهجرة الداخلية من جنوب العراق إلى الشمال تساهمان في زيادة هذه الحالات، إذ يلجأ رجال أكبر سناً للزواج من فتيات صغيرات مقابل المال، في زواج لا يدوم طويلاً ويؤدي غالباً إلى الانفصال.
وشددت المحامية على ضرورة نشر الوعي القانوني بين الشباب والفتيات، معتبرة أن عدم قراءة عقود الزواج أو فهمها يؤدي إلى مشاكل كبيرة عند الطلاق أو المطالبة بالحقوق.
واعتبرت أن الأولوية يجب أن تكون لإكمال التعليم والنضج الشخصي، قبل التفكير في الزواج، مؤكدة أن التشريع الجديد لا يخدم استقرار المجتمع بل يعمّق الأزمات الأسرية والاجتماعية.
مواكبة المواثيق الدولية
تعود النقاشات حول قانون الأحوال الشخصية في العراق إلى سنوات طويلة، إذ يُعتبر من أكثر القوانين إثارة للجدل بعد عام 2003.
ويرى المدافعون عن الحقوق المدنية أن القانون يجب أن يواكب المواثيق الدولية لحماية الطفل والمرأة، تصر قوى سياسية ودينية على تعديله بما يتوافق مع اجتهادات فقهية تقليدية.
ويخشى مراقبون أن يؤدي إقرار هذه التعديلات الأخيرة إلى زيادة نسب زواج القاصرات، التي تسجل أصلاً معدلات مرتفعة في بعض المحافظات العراقية، ما قد يفاقم الفقر والتسرب من التعليم ودوامة العنف الأسري.